الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فإن منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المعالم البارزة في المسجد النبوي، وقد وردت في فضله أحاديث متعددة؛ لذلك اهتم العلماء في كتبهم على بيان فضائله، وتأريخه على مر العصور، وسنذكر من ذلك أهم ما قد يستفيد منه القارئ -بإذن الله تعالى.
تعريف المنبر:
المنبر في اللغة: الشيء المرتفع، وبه سُمِّي المكان الذي يرتقيه الخطيب في المسجد.
والنبي صلى الله عليه وسلم أولًا كان يخطب قائمًا مستندًا إلى جذع نخلة منصوب في المسجد، فلما شَقَّ عليه القيام صُنِعَ له المنبر من ثلاث درجات، ووضع في الجانب الغربي من مصلاه، فكان يجلس عليه ويعظ الناس، ويراه كل من حوله.
الأحاديث الواردة في المنبر:
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ((مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي” (متفق عليه).
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ -رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:” إِنَّ مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ، وَمَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَحُجْرَتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ” (أخرجه الإمام أحمد في المسند 15/ 196، رقم الحديث: 9339).
- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-، ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ قَوَائِمَ مِنْبَرِي رَوَاتِبُ فِي الْجَنَّةِ ” (أخرجه النسائي في السنن الكبرى 1/386، رقم الحديث: 777).
- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي آثِماً تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار” (أخرجه الإمام مالك في الموطأ 2/727).
والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم “ومنبري على حوضي”: أن منبره صلى الله عليه وسلم ينصب على حوضه يوم القيامة.
وقيل: أن حوضه في أرض المحشر فوق مكان منبره الذي في الأرض.
فكرة وضع المنبر:
لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب على المنبر، وإنما كان يعتمد إلى جذع نخلة حين يخطب الناس، وذلك قبل أن يصنع له المنبر، وكانت لفكرة صنع المنبر النبوي آن ذاك سببان رئيسيان هما:
- أنه كثر الناس في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان إذا خطب -عليه السلام- لا يرونه، ولا يسمع صوتُه من بعد عنه في المجلس.
- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب بالناس، وكان يعتمد إلى جذع نخلة حين يخطب بهم، فيطيل أحيانًا في الخطبة فيثقل عليه جسده ويتعب، فصنع له المنبر ليجلس عليه حين يكلم الناس.
وكان اسم صانع منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ]على أرجح أقوال أهل العلم كما أشار إليه الحافظ ابن حجر -رحمه الله-[ بأنه: ميمون (نجار بمدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-). (انظر: فتح الباري 2/399).
وصُنع منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خشب شجرة الطرفاء، أو الأثل أتى بها النجار، روى البخاري عن أَبي حَازِمٍ، قَالَ: “سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ المِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الغَابَةِ عَمِلَهُ فُلاَنٌ مَوْلَى فُلاَنَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-“. (أخرجه البخاري 1/148، رقم الحديث: 370)
حنين الجذع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قال: ” كَانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَسَكَنَتْ “. (رواه البخاري رقم الحديث: 3585).
تاريخ المنبر:
مر المنبر عبر التاريخ بعدة مراحل وهي:
- كان المنبر على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين يتكون من درجتين ومقعد.
- لما انتقل الأمر إلى الدولة الأموية، وفي خلافة معاوية -رضي الله عنه- زاده مروان بن الحكم ست درجات من أسفله، فصار تسع درجات بالمجلس، يقف الخلفاء على الدرجة السابعة وهي الأولى من المنبر الشريف.
- ولما انتقل الأمر إلى الدولة العباسية، قام بعض الخلفاء بتجديد المنبر نظرًا لتقادم صناعته.
- في عام (656هـ) احترق المسجد النبوي الشريف واحترق فيه المنبر أيضًا، فأرسل الملك المظفر صاحب اليمن منبـرًا جديدًا.
- وفي سنة (664هـ): أرسل الظاهر بيبرس البند قداري منبـرًا جديدًا، فقلع منبر صاحب اليمن، ونصب منبر الظاهر محله، وخُطب عليه حتى سنة )797هـ)، حيث بدأ فيه أكل الأرضة.
- في عام )797هـ): أرسل الظاهر برقوق منبـرًا جديدًا، حل محل منبر الظاهر بيبرس
- في عام (820هـ): أرسل المؤيد شيخ منبـرًا جديدًا، حل محل منبر الظاهر برقوق. (انظر: كتاب وفاء الوفا 2/134)
- في عام (886 هـ): احترق المسجد النبوي الشريف، فاحترق منبر المؤيد شيخ معه، فبنى أهل المدينة منبـرًا بالآجر طلي بالنورة.
- في عام (888 هـ): أرسل الأشرف قايتباي منبـرًا من الرخام، فأزيل المنبر الذي بناه أهل المدينة، ووضع مكانه.
- في عام (998هـ): أرسل السلطان مراد العثماني منبـرًا مصنوعًا من الرخام، جاء في غاية الإبداع، ودقة صناعته، وروعة زخرفته ونقوشه، وطلي بماء الذهب، فنقل منبر قايتباي إلى مسجد قباء، ووضع منبر السلطان مراد مكانه (وهو الموجود في المسجد النبوي الشريف الآن). (انظر نزهة الناظرين ص 154).
ومنبر السلطان مراد صنع من المرمر النقي، وهو غاية في الجمال ودقة الصناعة، يتكون من اثنتي عشرة درجة، ثلاث خارج الباب، وتسع داخله، تعلوه قبة هرمية لطيفة، محمولة على أربعة أعمدة.
المصدر: المركز الاعلامي للهيئة